في كتابه المدن المتمردة (Rebel Cities)، يروي الجغرافي السياسي والمفكر الماركسي ديفيد هارفي عن ملصق صادفه في سبعينيات القرن الماضي، والذي نشرته مجموعة نشطت في أحد الأحياء وعملت بسياسة بيئية متطرفة، والتي صورت رؤية بديلة للمدينة: "لقد كانت مدينة مشرقة وجميلة صورة لباريس القديمة، وحياة الأحياء أضفت عليها روحًا جديدة، كانت الشرفات مليئة بالزهور، والساحات مليئة بالناس والأطفال، وكثرت فيها المقاهي، بينما فتحت المتاجر الصغيرة وورش الفنانين أبوابها أمام العالم. تلألأت النوافير في الشمس، والمتجولون تمتعوا على ضفاف النهر، ويمكن العثور على حدائق مجتمعية هنا وهناك (قد تكون هذه التفاصيل في ملصق خيالي من مخيلتي). استمتع سكان المدينة بوقت فراغ كبير للدخول في محادثات سلسة مع بعضهم البعض، أو لتدخين غليون (عادة لم تكن مستهجنة في ذلك الوقت، كما اكتشفت عندما حدث في أحد اجتماعات الحي لهذه المجموعة، التي حدثت في غرفة مليئة بالدخان). لقد أحببت هذا الملصق، لكن على مر السنين أصبح ممزقًا ومهترئًا لدرجة أنني للأسف اضطررت إلى التخلص منه. أتمنى لو حصلت عليه مرة أخرى!  على شخص ما أن يطبعه من جديد".

كان عام 2007 هو العام الأول الذي يعيش فيه معظم سكان العالم في المدن. أصبح القرن الـ 21 - لأول مرة في تاريخ البشرية – قرن المدن. سيستمر هذا الاتجاه في الازدياد: وفقًا لتوقعات الأمم المتحدة، في عام 2050 سيشكل سكان المدن حوالي ثلثي البشرية. وهنا في إسرائيل؟ يعيش 91 ٪ من سكان البلاد في المدن، وهذه النسبة فقط من المتوقع أن تزداد في المستقبل، لذلك فإن مسألة شكل وصورة وتطور المدن هي من الأسئلة الاجتماعية الرئيسية التي ستشكل طريقة عيش معظمنا.

إذا أردنا أن نسأل كيف سيبدو السؤال المدني في إسرائيل في عام 2030، فسيتعين علينا زيارة محطتين هامتين على طول الطريق: الانتخابات البلدية لعام 2028، والانتخابات البلدية التي ستجرى هذا العام، في 31.10.2023. في غضون أشهر قليلة، سيقوم سكان 257 سلطة محلية بالتصويت لمرشحين لمنصب رئيس السلطة، وللقوائم التي ستترشح للمجلس البلدي في هذه السلطات.

من المفترض أن يقدم المرشحون والقوائم المختلفة مفاهيم مختلفة ومتنافسة فيما يتعلق بمستقبل المدينة واتجاه تطورها وكيفية توزيع الموارد فيها. ومع ذلك، من الناحية العملية، العديد من المنظومات البلدية تترك لتقسم بين المرشحين والقوائم التي تشترك في نفس المبادئ الأساسية ونفس النهج فيما يتعلق بالعمران والتخطيط ومكان السكان في حياة المدينة. يتم دعم العديد منهم، مالياً أو غير ذلك، من قبل المقاولين ورجال الأعمال الذين يصبحون أثرياء من العقارات، وكذلك من قبل أولئك الذين لديهم مصالح مختلفة الذين يرغبون في الحصول على نفوذ وتأثير، من خلال سياسي مقرب منهم، في أروقة البلدية وفي الغرف التي تتخذ فيها القرارات ذات الأهمية الاقتصادية: هل سيتم تخصيص الأرض لبناء برج سكني، هل سيتم الموافقة على إنشاء موقف سيارات مدفوع الأجر للمركبات الخاصة، ومن سيفوز بمناقصات تقديم الخدمات؟

لذلك، فإن صورة الانتصار على الساحة البلدية تمر عبر عرض بدائل تختلف اختلافًا جوهريًا عن النهج السائد حاليًا على البلديات. فبدلاً من النظر إلى المدن على أنها ملعب رؤوس الأموال، وإلى البلدية كأداة لإثراء قلة قليلة - سيأتي النصر من خلال تبني سياسة تضمن لكل ساكن الحق في المدينة. ما هو "الحق في المدينة"؟ هذا المصطلح، الذي صاغه الفيلسوف الماركسي هنري لفيبر، هو مجموعة الحقوق المكتسبة من خلال العيش في المدينة وتمكين المشاركة الديمقراطية في حياة الناس في المدينة. يشمل الحق في المدينة حق التملك: حق السكان في مسار حياتهم اليومية، لاستفاد الحيز العام بشكل كامل والتفكير والقرار كيفية تغييره للعيش فيه والعمل فيه والسفر فيه والتمتع بحياة ترفيهية فيه. على سبيل المثال، اتخاذ قرار بإزالة الأسوار المحيطة بمنطقة مفتوحة، لتحويلها إلى حديقة يستخدمها السكان. يشمل الحق في المدينة أيضًا الحق في المشاركة: الحق في أن يكون للمرء صوت فيما يتعلق بعملية صنع القرار فيما يتعلق بالحيز البلدي والمسارات المنفذة فيه.

هل سنكون حكماء بما يكفي لاستخدام الانتخابات المحلية لعام 2023 و 2028 لإجراء تغييرات في الحكم المحلي، تغييرات يقود إليها السكان نحو تحقيق الحق في المدينة؟ هل سنتمكن من جمع الناس والمجتمعات وتنظيم الحركات البلدية التي ستقدم مشروعًا سياسيًا منافسًا للمشروع الذي يوجه أعمال البلديات حاليًا؟ هذا تحد كبير أمامنا. لقد أصبح هذا الملصق الباريسي القديم المعلق لدى ديفيد هارفي مهترئًا وممزقًا منذ فترة طويلة. ولكن بالطريقة المناسبة، سنكون قادرين في عام 2030 على طباعة ملصقات جديدة لتل أبيب - يافا والقدس، وحيفا واللد، ورهط وبئر السبع، لعشرات المدن والبلدات في إسرائيل، وترجمة رؤية مدينة تستحق العيش فيها إلى لغة الواقع.

أوري تخيل إسرائيل 2030 ضمن مشروع "صورة النصر"

تحرير: ستاف غرستل